كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج



(قَوْلُهُ: بِقَصْدِ حُصُولِهِ إلَخْ) أَيْ: بِقَصْدِ حُصُولِهِ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يُنْظَرُ إلَى فَاعِلِهِ إلَّا بِالتَّبَعِ لِلْفِعْلِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ فَاعِلٍ فَخَرَجَ فَرْضُ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ مَنْظُورٌ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ حَيْثُ قَصَدَ حُصُولَهُ مِنْ كُلِّ عَيْنٍ أَوْ مِنْ عَيْنٍ مَخْصُوصَةٍ كَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا فُرِضَ عَلَيْهِ دُونَ أُمَّتِهِ وَلَمْ يُقَيِّدْ قَصْدَ الْحُصُولِ بِالْجَزْمِ احْتِرَازًا عَنْ سُنَّةِ الْكِفَايَةِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ تَمْيِيزُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ عَنْ فَرْضِ الْعَيْنِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِمَا ذَكَرَ شَرْحُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِلْمَحَلِّيِّ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا) إلَى قَوْلِهِ: إلَّا فِي مَسَائِلَ فِي الْمُغْنِي.
(قَوْلُهُ: مِنْ أَهْلِ فَرْضِهِ) الْأَوْلَى مِنْ أَهْلِهِ.
(قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْقَائِمُ بِهِ أَفْضَلَ إلَخْ) وِفَاقًا لِلْأَسْنَى وَخِلَافًا لِلْمَحَلِّيِّ وَالْمُغْنِي وَالنِّهَايَةِ عِبَارَتُهُ نَعَمْ الْقَائِمُ بِفَرْضِ الْعَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ الْقَائِمِ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ خِلَافًا لِمَا نُقِلَ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ وَإِنْ أَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ. اهـ. وَعِبَارَةُ الْمُغْنِي وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ أَفْضَلُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَأَفْهَمَ السُّقُوطُ) إلَى قَوْلِهِ: أَخْذًا فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي.
(قَوْلُهُ: السُّقُوطَ) أَيْ: عَنْ الْبَاقِينَ.
(قَوْلُهُ: يُخَاطَبُ بِهِ الْكُلُّ) أَيْ: كُلٌّ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ.
(قَوْلُهُ: إذَا تَرَكَهُ الْكُلُّ) أَيْ: كُلٌّ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ وَغَيْرِهِمْ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ آنِفًا.
(قَوْلُهُ: أَثِمَ أَهْلُ فَرْضِهِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي أَثِمَ كُلُّ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ مِنْ الْأَعْذَارِ الْآتِي بَيَانُهَا. اهـ.
(قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ تَأَخَّرَ إلَخْ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ: وَأَنَّهُ إذَا تَرَكَهُ الْكُلُّ أَثِمَ أَهْلُ فَرْضِهِ كُلُّهُمْ إلَخْ، وَيُحْتَمَلُ إلَى خُصُوصِ قَوْلِهِ أَيْ: وَقَدْ قَصَّرُوا إلَخْ وَلَمَّا كَانَ شَأْنُ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ مُهِمًّا لِكَثْرَتِهَا وَخَفَائِهَا ذَكَرَ مِنْهَا جُمْلَةً فِي أَبْوَابِهَا ثُمَّ اسْتَطْرَدَ هُنَا جُمْلَةً أُخْرَى مِنْهُ فَقَالَ: (وَمِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ الْقِيَامُ بِإِقَامَةِ الْحُجَجِ) الْعِلْمِيَّةِ وَالْبَرَاهِينِ الْقَاطِعَةِ فِي الدِّينِ عَلَى إثْبَاتِ الصَّانِعِ سُبْحَانَهُ، وَمَا يَجِبُ لَهُ مِنْ الصِّفَاتِ وَيَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ مِنْهَا وَالنُّبُوَّاتِ وَصِدْقِ الرُّسُلِ وَمَا أُرْسِلُوا بِهِ مِنْ الْأُمُورِ الضَّرُورِيَّةِ وَالنَّظَرِيَّةِ.
(وَحَلُّ الْمُشْكِلَاتِ فِي الدِّينِ) لِتَنْدَفِعَ الشُّبُهَاتُ وَتَصْفُوَ الِاعْتِقَادَاتُ عَنْ تَمْوِيهَاتِ الْمُبْتَدِعِينَ وَمُعْضِلَاتِ الْمُلْحِدِينَ وَلَا يَحْصُلُ كَمَالُ ذَلِكَ إلَّا بِإِتْقَانِ قَوَاعِدِ عِلْمِ الْكَلَامِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْحُكْمِيَّاتِ وَالْإِلَهِيَّاتِ؛ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْإِمَامُ لَوْ بَقِيَ النَّاسُ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي صَفْوَةِ الْإِسْلَامِ لَمَا أَوْجَبْنَا التَّشَاغُلَ بِهِ، وَرُبَّمَا نَهَيْنَا عَنْهُ أَيْ: كَمَا جَاءَ عَنْ الْأَئِمَّةِ كَالشَّافِعِيِّ، بَلْ جَعَلَهُ أَقْبَحَ مِمَّا عَدَا الشِّرْكَ، فَأَمَّا الْآنَ وَقَدْ ثَارَتْ الْبِدَعُ وَلَا سَبِيلَ إلَى تَرْكِهَا تَلْتَطِمُ فَلَابُدَّ مِنْ إعْدَادِ مَا يُدْعَى بِهِ إلَى الْمِلْكِ الْحَقِّ وَتَحِلُّ بِهِ الشُّبْهَةُ، فَصَارَ الِاشْتِغَالُ بِأَدِلَّةِ الْمَعْقُولِ وَحِلِّ الشُّبْهَةِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، وَأَمَّا مَنْ اسْتَرَابَ فِي أَصْلٍ مِنْ أُصُولِ الِاعْتِقَادِ فَيَلْزَمُهُ السَّعْيُ فِي إزَالَتِهِ حَتَّى تَسْتَقِيمَ عَقِيدَتُهُ. اهـ.
وَأَقَرَّهُ فِي الرَّوْضَةِ وَتَبِعَهُ الْغَزَالِيُّ فَقَالَ: الْحَقُّ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ ذَمُّهُ وَلَا مَدْحُهُ فَفِيهِ مَنْفَعَةٌ وَمَضَرَّةٌ، فَبِاعْتِبَارِ مَنْفَعَتِهِ وَقْتَ الِانْتِفَاعِ حَلَالٌ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ وَاجِبٌ، وَبِاعْتِبَارِ مَضَرَّتِهِ وَقْتَ الْإِضْرَارِ حَرَامٌ.
وَيَجِبُ عَلَى مَنْ لَمْ يُرْزَقْ قَلْبًا سَلِيمًا أَنْ يَتَعَلَّمَ أَدْوِيَةَ أَمْرَاضِ الْقَلْبِ مِنْ كِبْرٍ وَعُجْبٍ وَرِيَاءٍ وَنَحْوِهَا، كَمَا يَجِبُ لَكِنْ كِفَايَةُ تَعَلُّمِ عِلْمِ الطِّبِّ.
الشَّرْحُ:
(قَوْلُهُ: الضَّرُورِيَّةِ) فِيهِ شَيْءٌ مَعَ كَوْنِ الْكَلَامِ فِي إقَامَةِ الْحُجَجِ وَالْبَرَاهِينِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الضَّرُورِيُّ قَدْ يُقَامُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ.
(قَوْلُهُ: وَلَمَّا كَانَ) إلَى قَوْلِهِ: وَأَمَّا مَنْ اسْتَرَابَ فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ: وَلَا يَحْصُلُ إلَى قَالَ الْإِمَامُ: وَإِلَى قَوْلِهِ: وَعَلَيْهِ حُمِلَ الْخَبَرُ الْحَسَنُ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ: وَرُبَّمَا إلَى فَأَمَّا، وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا إلَى فَقَالَ: وَقَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ شَارِحٍ، وَقَوْلُهُ: وَلِأَنَّهَا إلَى قَوْلِهِ: وَبَحَثَ.
(قَوْلُهُ: جُمْلَةٌ فِي أَبْوَابِهَا) عِبَارَةُ الْمُغْنِي فِي الْجَنَائِزِ غُسْلُ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ وَفِي اللَّقِيطِ الْتِقَاطُ الْمَنْبُوذِ وَذَكَرَ هُنَا الْجِهَادَ ثُمَّ اسْتَطْرَدَ إلَى ذِكْرِ غَيْرِهِ فَقَالَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: مِنْ الْأُمُورِ الضَّرُورِيَّةِ) فِيهِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ الضَّرُورِيُّ قَدْ يُقَامُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ سم وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ يَكُونُ الضَّرُورِيُّ بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضٍ غَيْرِ ضَرُورِيٍّ بِالنِّسْبَةِ لِآخَرَ وَقَدْ يُقَامُ عَلَى الضَّرُورِيِّ مُنَبِّهُهُ لِإِزَالَةِ خَفَاءٍ فِيهِ، وَالْمُنَبِّهُ بِصُورَةِ الدَّلِيلِ وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ دَلِيلًا حَقِيقَةً وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ تَسْمِيَتِهِ دَلِيلًا حَقِيقَةً بِالنِّسْبَةِ لِمَا نَحْنُ فِيهِ إذْ الْقِيَامُ بِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ. اهـ. سَيِّدُ عُمَرَ.
(قَوْلُ الْمَتْنِ: وَحِلُّ الْمُشْكَلَاتِ) يَظْهَرُ أَنَّ الْمُشْكِلَ الْأَمْرُ الَّذِي يَخْفَى إدْرَاكُهُ لِدِقَّتِهِ، وَالشُّبْهَةُ الْأَمْرُ الْبَاطِلُ الَّذِي يَشْتَبِهُ بِالْحَقِّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَجِّ غَيْرُ حَلِّ الْمُشْكَلَاتِ، وَقَدْ يَقْدِرُ عَلَى الْأَوَّلِ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الثَّانِي سم عَلَى الْمَنْهَجِ. اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: وَتَصْفُو) أَيْ: تَخْلُصُ، وَقَوْلُهُ: وَمُعْضَلَاتٌ إلَخْ أَيْ: مُشْكِلَاتٌ. اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: كَمَا ذَلِكَ) أَيْ: الْقِيَامُ بِإِقَامَةِ الْحُجَجِ وَحَلِّ الْمُشْكِلَاتِ.
(قَوْلُهُ: وَالْإِلَهِيَّاتِ) مِنْ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ.
(قَوْلُهُ: قَالَ الْإِمَامُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَأَمَّا الْعِلْمُ الْمُتَرَجِّحُ بِعِلْمِ الْكَلَامِ فَلَيْسَ بِفَرْضِ عَيْنٍ وَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ يَشْتَغِلُونَ بِهِ قَالَ الْإِمَامُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: فِي صَفْوَةِ الْإِسْلَامِ) أَيْ: فِي النُّورَانِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ حَاصِلَةً فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الِاشْتِغَالِ بِمَا يُفْسِدُ قُلُوبَهُمْ وَأَحْوَالَهُمْ. اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: بِهِ) أَيْ: بِعِلْمِ الْكَلَامِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ: كَمَا جَاءَ عَنْ الْأَئِمَّةِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَالرَّوْضِ مَعَ شَرْحِهِ وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ تَحْرِيمِ الِاشْتِغَالِ بِعِلْمِ الْكَلَامِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّوَغُّلِ فِيهِ، وَأَمَّا تَعَلُّمُ عِلْمِ الْفَلْسَفَةِ وَالشَّعْبَذَةِ وَالتَّنْجِيمِ وَالرَّمَلِ وَعُلُومِ الطَّبَائِعِيِّينَ وَالسِّحْرِ فَحَرَامٌ وَتَعَلُّمُ الشِّعْرِ مُبَاحٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ سُخْفٌ أَوْ حَثٌّ عَلَى شَرٍّ وَإِنْ حَثَّ عَلَى التَّغَزُّلِ وَالْبَطَالَةِ كُرِهَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: بَلْ جَعَلَهُ) أَيْ: جَعَلَ الشَّافِعِيُّ الِاشْتِغَالَ بِعِلْمِ الْكَلَامِ. اهـ. مُغْنِي.
(قَوْلُهُ: تَلْتَطِمُ) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ تَرْكِهَا وَفِي الْقَامُوسِ الْتَطَمَتْ الْأَمْوَاجُ ضَرَبَ بَعْضُهَا بَعْضًا. اهـ.
(قَوْلُهُ: انْتَهَى) أَيْ: كَلَامُ الْإِمَامِ.
(قَوْلُهُ: وَتَبِعَهُ) أَيْ: الْإِمَامُ.
(قَوْلُهُ: ذَمُّهُ إلَخْ) أَيْ: عِلْمِ الْكَلَامِ. اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: حَلَالٌ) أَيْ: مُبَاحٌ.
(قَوْلُهُ: وَيَجِبُ) إلَى قَوْلِهِ: وَبِمَا تَقَرَّرَ فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ: بِأَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا مُطْلَقًا.
(قَوْلُهُ: أَنْ يَتَعَلَّمَ أَدْوِيَةَ أَمْرَاضِ الْقَلْبِ إلَخْ) وَقَدْ بَيَّنَهَا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فَلْيُرَاجِعْ مَنْ أَرَادَ، وَقَوْلُهُ: مِنْ كِبْرٍ إلَخْ بَيَانٌ لِأَمْرَاضِ الْقَلْبِ. اهـ. ع ش.
(وَ) الْقِيَامُ (بِعُلُومِ الشَّرْعِ كَتَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ وَالْفُرُوعِ) الْفِقْهِيَّةِ زَائِدًا عَلَى مَا لَابُدَّ مِنْهُ، (بِحَيْثُ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ) وَالْإِفْتَاءِ بِأَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا مُطْلَقًا وَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ عُلُومِ الْعَرَبِيَّةِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ وَعِلْمِ الْحِسَابِ الْمُضْطَرِّ إلَيْهِ فِي الْمَوَارِيثِ وَالْإِقْرَارَاتِ وَالْوَصَايَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتِي فِي بَابِ الْقَضَاءِ، فَتَجِبُ الْإِحَاطَةُ بِذَلِكَ كُلِّهِ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ بِحَيْثُ إلَخْ مُتَعَلِّقٌ بِعُلُومٍ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ شَارِحٍ، وَتَعْرِيفُ الْفُرُوعِ لِلتَّفَنُّنِ؛ أَوْ لِأَنَّهَا لَمْ تُشْتَهَرْ مُرَادًا بِهَا الْفِقْهِيَّاتُ لَا مَعَ التَّعْرِيفِ دُونَ سَابِقَيْهَا.
وَبَحَثَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ فِي اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ إلَّا بِمَعْرِفَةِ جَمْعٍ يَبْلُغُونَ حَدَّ التَّوَاتُرِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ مُتَوَاتِرٌ وَمَعْرِفَتَهُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ اللُّغَةِ فَلَابُدَّ أَنْ تَثْبُتَ بِالتَّوَاتُرِ حَتَّى يَحْصُلَ الْوُثُوقُ بِقَوْلِهِمْ فِيمَا سَبِيلُهُ الْقَطْعُ وَيُرَدُّ بِأَنَّ كُتُبَهَا مُتَوَاتِرَةٌ وَتَوَاتُرُ الْكُتُبِ مُعْتَدٌّ بِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَيَنْبَغِي حُصُولُ فَرْضِهِمَا بِمَعْرِفَةِ الْآحَادِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ لِتَمَكُّنِهِمْ مِنْ إثْبَاتِ مَا نُوزِعَ فِيهِ مِنْ تِلْكَ الْأُصُولِ بِالْقَطْعِ الْمُسْتَنِدِ لِمَا فِي كُتُبِ ذَلِكَ الْفَنِّ، وَلَا يَكْفِي فِي إقْلِيمٍ مُفْتٍ وَقَاضٍ وَاحِدٍ لِعُسْرِ مُرَاجَعَتِهِ، بَلْ لَابُدَّ مِنْ تَعَدُّدِهِمَا بِحَيْثُ لَا يَزِيدُ مَا بَيْنَ كُلِّ مُفْتِيَيْنِ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَقَاضِيَيْنِ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى لِكَثْرَةِ الْخُصُومَاتِ، أَمَّا مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي فَرْضٍ عَيْنِيٍّ أَوْ فِي فِعْلٍ آخَرَ أَرَادَ مُبَاشَرَتَهُ وَلَوْ بِوَكِيلِهِ، فَتَعَلُّمُ ظَوَاهِرِ أَحْكَامِهِ غَيْرِ النَّادِرَةِ فَرْضُ عَيْنٍ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ الْخَبَرُ الْحَسَنُ «التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ»، وَنَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ الْفَرَاوِيِّ أَنَّهُ تَحْرُمُ الْإِقَامَةُ بِبَلَدٍ لَا مُفْتِيَ بِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَضِيَّةُ مَا مَرَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ بَيْنَ كُلِّ مُفْتِيَيْنِ أَنَّ الْحُرْمَةَ خَاصَّةٌ بِبَلَدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُفْتِي أَكْثَرُ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَبِتَسْلِيمِ عُمُومِهِ يَنْبَغِي زَوَالُ الْحُرْمَةِ بِأَنْ يَكُونَ بِالْبَلَدِ مَنْ يَعْرِفُ الْأَحْكَامَ الظَّاهِرَةَ غَيْرَ النَّادِرَةِ؛ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهَا الَّتِي يُحَبُّ تَعَلُّمُهَا عَيْنًا بِفَرْضِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا، وَيَجْبُرُ الْحَاكِمُ وُجُوبًا أَهْلَ كُلِّ بَلَدٍ تَرَكُوا تَعَلُّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: وَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ فِي الْعِلْمِ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ ذَكَرٍ غَيْرِ بَلِيدٍ مَكْفِيٍّ وَلَوْ فَاسِقًا، لَكِنْ لَا يَسْقُطُ بِهِ؛ إذْ لَا تُقْبَلُ فَتْوَاهُ وَيَسْقُطُ بِالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلَا. اهـ. وَوَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ عَنْهُ مَا يَقْتَضِي خِلَافَ مَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَجْهَيْنِ وَأَوْجَهُهُمَا مَا ذُكِرَ مِنْ السُّقُوطِ وَبِقَوْلِهِ: غَيْرِ بَلِيدٍ مَعَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَابْنِ الصَّلَاحِ: أَنَّ الِاجْتِهَادَ الْمُطْلَقَ انْقَطَعَ مِنْ نَحْوِ ثَلَثِمِائَةِ سَنَةٍ، يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَى النَّاسِ الْيَوْمَ بِتَعْطِيلِ هَذَا الْفَرْضِ، وَهُوَ بُلُوغُ دَرَجَةِ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ صَارُوا بُلَدَاءَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا قَبْلَ الْفُرُوعِ إنْ عُطِفَ عَلَى تَفْسِيرٍ اقْتَضَى بَقَاءَ شَيْءٍ مِنْ عُلُومِ الشَّرْعِ لَمْ يَذْكُرْهُ أَوْ عَلَى عُلُومٍ اقْتَضَى أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ عُلُومِ الشَّرْعِ وَكِلَاهُمَا فَاسِدٌ. اهـ.
وَيَرُدُّهُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ أَنَّ عُلُومَ الشَّرْعِ قَدْ يُرَادُ بِهَا تِلْكَ الثَّلَاثَةُ فَقَطْ، وَهِيَ عُرْفُهُمْ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ وَنَحْوِهَا، وَقَدْ يُرَادُ بِهَا هِيَ وَآلَاتُهَا وَهِيَ عُرْفُهُمْ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْهَا هَذَا؛ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ الْكُلَّ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَحِينَئِذٍ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى تَفْسِيرٍ، وَلَا فَسَادَ فِيهِ خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ فِيهِ، ثُمَّ رَأَيْت شَارِحًا أَشَارَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
الشَّرْحُ:
(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ شَارِحٍ وَتَعْرِيفُ الْفُرُوعِ لِلتَّفَنُّنِ إلَخْ) قَالَ الْمُحَقِّقُ الْمَحَلِّيُّ وَعُرْفُ الْفُرُوعِ دُونَ مَا قَبْلَهُ لِمَا ذُكِرَ بَعْدَهُ. اهـ.
وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا مُصَرِّحَةٌ بِمَا قَالَهُ حَيْثُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا فَرْضُ الْكِفَايَةِ فَالْقِيَامُ بِعُلُومِ الشَّرْعِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ التَّفْسِيرُ وَالْحَدِيثُ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْوَصِيَّةِ وَمِنْهَا أَنْ يَنْتَهِيَ فِي مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ إلَى حَيْثُ يَصْلُحُ لِلْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ. اهـ.
وَهُوَ قَرِينَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى إرَادَةِ تَوْجِيهِ الْمُحَقِّقِ لِلتَّعْرِيفِ، وَلَهُ أَنْ يُؤَيِّدَ هَذَا التَّوْجِيهَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْعُلُومِ الثَّلَاثَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي نَفْسِهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ تَوَقُّفِ غَيْرِهِ مِنْهَا عَلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِمْ حَتَّى إنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: الْقِيَامُ بِعُلُومِ الشَّرْعِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي نَفْسِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَسُوغُ تَعَلُّقُ الْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ بِالْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الْقَدْرَ الْمُؤَدِّيَ لِلْفَرْضِ مِنْ كُلٍّ مِنْ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ لَيْسَ مَضْبُوطًا بِهَا، بَلْ لَا يَتَأَتَّى ضَبْطٌ بِهَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِي نَفْسِهِ لَا يَكْفِي فِي حُصُولِ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَالْقَدْرُ الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةُ مِنْهَا لَيْسَ هُوَ الْقَدْرَ الْمُؤَدِّيَ لِفَرْضِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي فِي حُصُولِهَا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِنْ الْأُصُولِ الصَّحِيحَةِ الْجَامِعَةِ مِنْ كُتُبِ أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ أَصْلٌ فَأَكْثَرُ وَأَنْ يَعْرِفَ آيَاتِ الْأَحْكَامِ فَقَطْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُجَرَّدَ وُجُودِ أَصْلٍ فَأَكْثَرَ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ لَا يَكْفِي فِي الْقِيَامِ بِفَرْضِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ اتَّضَحَ لَك مَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُ الْمَحَلِّيُّ وَعَلِمْت مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فَتَأَمَّلْهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَدْرِ الْمُحَصَّلِ بِفَرْضِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ، وَالْقَدْرُ الْمُحَصَّلُ لَهُمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ لِتَعْلَمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِمَعْزِلٍ بَعِيدٌ عَنْ الصَّوَابِ.